تقديــــــم قصـــــــة الأجنحـــــــة المتكســـــــرة:
هذا النموذج من الأجنحة المتكسرة بدأه "جبران" كتوطئة حاول من خلاله أن يقدم فكرة شاملة حول مضمونها وما تحمله من أحداث وأشكال فكرية وجمالية "كنت في الثامنة عشرة عندما فتح الحب عيني بأشعته السحرية ولمس نفسي لأول مرة بأصابعه النارية، وكانت سلمى كرامة المرأة الأولى التي أيقظت روحي بمحاسنها ومشت أمامي الى جنة العواطف العلوية... واليوم قد مرت الأعوام المظلمة الطامسة بأقدامها رسم تلك الأيام لم يبقى من ذلك الحلم الجميل سوى تذكرات موجعة ترفرف كالأجنحة المنظورة حول رأسي مثيرة تنهيدات الأسى في أعماق صدري.
الأجنحة المتكسرة رواية صغيرة الحجم نسبيا نشرها "جبران" لأول مرة عام 1912 بنيويورك وأهداها الى "ماري هيسكل" التي تحدق إلي الشمس بأجفان جامدة وتقبض على النار بأصابع غير مرتعشة، وتسمع نغمة الروح الكلي من وراء ضجيج العميان وصراخهم.
وهذه القصة كما يقول "محمد يوسف نجم" لون من البوح الشخصي أرخ فيه "جبران" حبه الأول في بيروت في صورة صادقة نمت كما كان يصطدع في نفسه وهو المراهق آنذاك من العواطف المكبوتة والإحساسات الخامدة التي تفجرت بقوة عند أول احتكاك عاطفي.
رغم بساطة فكرتها، وربما سذاجته حكايتها المستمدة من ذكرى حبه الأول في لبنان حاول جبران أن يضمنها نقمته المتزايدة وثورته الصريحة على الكثير من الأفكار والعادات والتعاليم والتقاليد الشرقية التي تستعبد مطلق البشر وتكسر أجنحتهم عبر شعارات دينية واجتماعية متوارثة منتصرا لقيم الحب والسلام والحرية.
وانتصار "جبران" لهذه القيم وفر للرواية نجاحا مدويا لدى الأوساط التقدمية والمتحررة وسخطا عارما لدى المحافظين والإقطاعيين ورجال الدين من ذوي النزعات التقليدية فهو هاجم الثائرين عليه ورماهم بالقصور دون هذه الغايات البعيدة والمبادئ العالية، فالمحبة المحدودة تطلب امتلاك المحبوب أما المحبة الغير متناهية فلا تطلب غير ذاتها.
خلاصتها أن البطل أحب "سلمى كرامه" وكان أبوها "فارس كرامه" ثريا، شريف القلب كريم الصفات ولكنه كان ضعيف الإرادة يقوده رياء الناس كالأعمى، وتوقفه مطامعهم كالأخرس وهو صديق قديم لوالد "جبران" وصداقته للولد جلبت الولد إلى بيته حيث عرف "سلمى" كانت جميلة إلا أن جمالها لا ينطبق على المقاييس التي وضعها البشر للجمال.
فتمكن الحب من قلبه وقلبها من اللحظة الأولى وباح كل من الحبيبين بحبه لرفيقه وتبانى ما في نفسيهما من لواعج الأشواق إلا أن يد القدر القاسية أبت إلا أن تفجعهما في اعز ما عندهما في حبهما وكانت هذه الفجيعة على يد المطران تخافه الارواح و الاجساد" و تخر إليه ساجدة مثلما تنحني رقاب الأنعام أمام الجزارين "
إذ أنه طلب "سلمى" لابن أخيه "منصور بيك" فما كانت من الوالد إلا أن أجاب بالإيجاب من غير أن يستشير ابنته بكلمة، ولا كان من الابنة إلا أن أجابت "بنعم" من غير أن تأخذ رأي حبيبها في الأمر، ولقد أدرك "المطران" أن تكون "سلمى" زوجا لابن أخيه لن أباها كان غنيا ولم يكن له وريث سواها ويتم هذا الزواج وكان شقاء وكانت مأساة ملؤها التفجع والتوجع، يموت أباها ويتركها أمانة بين يدي صديقه وحبيبها حيث راحا يجتمعان خلسة في هيكل مهجور لعشتروت الواقع بين البساتين والتلال التي تصل أطراف بيروت بأذيال لبنان، و يتساقيان كأس الحب والشهوة، فترة من الزمان لم تطل إذ أن الشكوك ساورت المطران فبث عيونه للتجسس عليهما فاضطر الحبيبان أن يوقفا اجتماعاتهما هذه "وتقضي سلمى مع زوجها خمس سنوات دون أن ترزق بمولود" ليوجد العلاقة الروحية بينهما وبين بعلها ويقرب بابتساماته نفسيهما المتنافرتين مثلما يجمع الفجر بين أواخر الليل وأوائل النهار.
فقد صلت سلمى مستغيثة حتى ملأت الفضاء صلاة وابتهالات فسمعت السماء نداءها وثبت في أحشائها نعمة مختصرة بالحلاوة والعذوبة وأعدتها بعد خمس سنوات من زوجها لتصير أما تمحو ذلها وعارها وتضع "سلمى" طفلها الأول والأخير ويضج البيت بالفرح ولكن ما طلعت الشمس على الطفل إلا لتضع حدا لحياته لأن الزائر راحل "ولد كالفكرة ومات كالتنهد واختفى كالظل فأذاق سلمى كرامه طعم الأمومة ولكنه لم يبقى ليساعدها ويزيل الموت عن قلبها. فما لبث أن قضى نحبه عند شروق الشمس وما لبثت أمه أن التحقت به، نفس "سلمى" إلى مقرها الخير وتوسدت صدر أبيها وتوسد وليدها صدرها وفوق الجميع وضع التراب ولما توارى حفار القبور وراء أشجار السرو خانني الصبر والتجلد فارتميت على قبر "سلمى" أبكيها وأرثيها.
هذه هي قصة تجربة "جبران" الأولى في الحب وصورة شهوته الدافقة في سن المراهقة في الأجنحة المتكسرة بسط "جبران" كل ما أضمره وجدانه من غايات الحب العميق ولكن "جبران" كان خاسرا في صفقته لأن سلمى كرامه تزوجت زوجا شرعيا بغيره فولد له هذا النقص في حظه تساميا نحو الفن، ليبث للعالم مكنونات قلبه الجريح، ولينفث من بركان عاطفته المتجسمة قذائف النقمة على العقبات الكئود التي اعترضنه في سبيل حبه.
هذه الحكاية بسيطة للغاية وان كان منبعها في القلب بعيد الفوز، واتصالها لاصقا وثيقا وهي جديرة بأقصوصة لا بقصة وجانب الكلام فيها يغلب على جانب العمل القصصي وقد وشاها الكاتب بأوصافه وتشبيهاته العذبة المستساغة وكناياته الجميلة البارعة وغير ذلك مما يعده نفاذ القصة حشوا يقطع أوصال القصة ويعيق تقدم السياق في حين أن منطق الفن يعده آيات من السحر بينات، من بعد الأجنحة المتكسرة هجر "جبران" القصة فما عاد إليها إلا نادرا وانصرف إلى المقطوعة من نوع الشعر المنثور، والى مثل الموعظة فقد كانت الأقرب إلى ذوقه ومزاجه وفطرته الفنية من كل ما عداها من ضروب الأدب.
ومن خلال هذه الخلاصة الوجيزة عن قصة الأجنحة المتكسرة، نستطيع أن نلمس أشخاص القصة، فنراهم ونسمع حواراتهم على أحداثهم الجزئية وإن كانت هذه الشخصيات من خلقه هو أي غير موجودة يتقاسم معها كل مسرات الحياة وآلامها وهذا نظرا لقدرة الكاتب على سرد الأحداث بأسلوب قصصي رائع وحسب تصوير لكل ما جرى من وقائع وأحداث.
اتخذ "جبران خليل جبران" من القصة وسيلة للتعبير عن أفكاره وعواطفه ومزجها بآرائه الاجتماعية والأخلاقية وجعلها محطتا لانطلاق خياله الواسع وتلوينات فنه وهذا ما لاحظناه خلال دراستنا التطبيقية لقصة "الأجنحة المتكسرة" حيث نرى أنه لم يتقيد لعناصر القصة المذكورة سابقا، فجاء اهتمامه فقط بالمغزى والمضمون ولبث الشعور وتركيب الصور وإخفاء الخيال الخلاق الساحر.
كما جاءت قصة عبارة عن أفكار اجتماعية وإصلاحية تثور في نفسه فيحاول أن يصورها كما يراها هو، لا كما يشاء الواقع.
كان جبران ينطلق في قصصه من ذلته فردية لا من ذاته اجتماعية، لهذا جاءت قصته ضعيفة الحبكة، مصطنعة الحادثة شخصياته غريبة عن الواقع، خيالية الحوار فهو كان ينطق الشخصيات بغير كلامهم ويجعلهم يتصرفون بغير تصرفهم كما نلاحظ أن عنصر الكلام طغى على عنصر العمل القصصي فأحال القصة الى سلسلة من الخطب والمواعظ في قالب أسلوبي عذب وبارع فهي باقة من الحكم والصور الجميلة خطها يراع جبران الملهم.
وفي الأخير ننهي حديثنا عن القصة الجبرانية بالقول أن ما جاء به جبران جعله يتبرع على كرسي الزيادة والصدارة في العصر الحديث بل يجعله جزءا خالد في الأدب العربي والعالمي على سواء، فهو كان أديبا يكتب بدم القلب وعصر الروح، ومراده كان الأفراح الإنسانية فجاء قلمه مفتاحا لهذا.
الخصائص الفنية لقصة الأجنحة المتكسرة:
1- الزمان والمكان:
جبران خليل جبران كاتب معاصر من بيئة لبنانية ولقد عاش وقائع هذه القصة على أرض الواقع الشيء الذي جعل عناصرها تتحدد بشكل واضح، فاستطعنا أن نحدد زمان هذه القصة وهو فصل الربيع من شهر نيسان، كما يقول "جبران" في بداية قصته "كنت في بيروت في ربيع تلك السنة المملوءة بالغرائب، وكان نيسان قد أنبتت الأزهار والأعشاب".
فالمكان إذن هو بيروت في بقعة جميلة من شمال لبنان، حيث الأودية المملوءة سحرا وهيبة والجبال المتعالية بالمجد والعظمة نحو العلاء كما وصفها جبران ففي هذا المحيط البعيد عن ضحية الاجتماع يقع منزل "سلمى كرامه" الذي تحيط به حديقة مترامية الأطراف تتعانق في جوانبها الأغصان وتعطر فضاءها رائحة الورد والفل والياسمين.
ففي هذا المكان التقي قلبان متحابان تحول دون اتحادهما التقاليد الاجتماعية والأفكار والعادات وسلطة رجال الدين.
فهذه القصة كغيرها من القصص حفلت بجمالية الزمان والمكان مما يقربه من المعنى الحقيقي للقصة الفنية.
2- الشخصيـــــــــــات:
لم ينجح جبران في رسم الشخصيات تنبض بالحياة فنشعر بحركاتها على الورق وبحرارة أنفاسها تلوح الوجوه كأنها تجري وتثب على سطح الحياة إلا أنه عندما دفع بنفس الرواية وهو وبنفس حبيبته "سلمى" إلى ميدانه الأصيل الذي طالما برز فيه أقرانه أجاد وأبدع وحلل زفرات الصدور وحركات النفوس وتنهيدات القلوب.
فلقد برزت في هذه القصة شخصيتين رئيسيتين وهما ""جبران خليل جبران" وهو الراوي وصديقته "سلمى كرامه" التي يعتقد الكثيرون أنها هي حلا الظاهر في حين أن جبران يوضح أنه ليس في هذا الكتاب أي اختبار واحد كان اختباري، إن الشخصيات هي خلقي أنا لأنني أعتقد أنه ينبغي على الكاتب أن يكون شيئا جديدا، وأن يكون إضافة للحياة، إذ أن عناصر قصته مستمدة من الواقع إلا أنها لا تمت إلى واقعه الشخصي بأية صلة.
أما الشخصيات الثانوية، فهي "فارس كرامه" والد سلمى وزوجها "منصور بيك" وعمه "المطران" "بولس غالب" وباقي رجال الدين، كان جبران يبدع في قصته حالات وأشخاص تنقصهم دقة الحبك والتصوير الواقعي في قوله.
"إن الجمال في وجه سلمى لم يكن منطبقا على المقاييس التي وضعها البشر للجمال بل كان غريبا كالحلم أو الرؤيا أو كفكر علوي لا يقاس ولا يحد ولا ينسخ بريشة المصور ولا يتحسم برخام الحفار.
فهو لم يعطي وصفا دقيقا وواضحا لجمالها الحقيقي، وإنما كان وصفها غامضا وشحوبا مرده إلى طغيان الحديث فيه على الحركة، والخيال على الواقع.
كما أن شخصياته عبارة عن دمى تتحرك بين يديه دون أن يفصح المجال أمامها حتى تعبر عن عواطفها ومشاعرها، فهو كان ينطق الأشخاص بغير كلامهم ويجعلهم يتصرفون بغير تصرفهم ويظهر هنا في قول: فقالت تخاطبه: "قد جئت لتأخذني يا ولدي جئت لتدلني على الطريق المؤدية إلى الساحل، ها أننا يا ولدي فسر أمامي لنذهب من هذا الكهف المظلم ونلاحظ أن الألم والعذاب إلى حد اليأس كان له حضور على معظم الشخصيات والحوار، إذ يقول أحد الشخصيات ممن حضروا الجنازة، تأملوا بوجه منصور بيك، فهو ينظر إلى الفضاء بعينيه زجاجيتين كأنه لم يفقد زوجته وطفله في آن واحد.
اليأس كان له حضور على معظم الشخصيات وعامل الذاتية الذي يظهر مع كل شخصية كون القصة كلها مطبوعة بعواطف الكاتب وأفكاره ومواقفه كما تتميز شخصياته أيضا بالخيال والانفعال الأقوى من العمل وهم من الفلاسفة والخطاب والمصلحين، حيث يقول في وصف أخلاق "فارس كرامه" إذ جعلته الثروة فاضلا والفضيلة
ثريا ولذلك يتحول السرد في قصصه إلى وجدانية والتقرير الى تصوير والموضوعية إلى الذاتية.
الأحـــــــــــداث:
زخرت هذه القصة بأحداث عديدة طغى عليها عنصر الحديث فيها على الحركة والخيال على الواقع ويمكن أن نلخص تلك الحوادث فيما يلي:
أول حادثة نستبينها من خلال هذه القصة هي لقاء "جبران" مع "فارس كرامه"وهو صديق قديم لوالده وصداقة "فراس كرامه" للوالد جلبت الولد إلى بيته وهناك تعرف على سلمى فتمكن الحب من قلبه وقلبها من اللحظة الأولى وباح كل من الحبيبين بحبه للآخر.
أما الحدث الآخر هو طلب "المطران" سلمى لابن أخيه وقد اختارها زوجة لابن أخيه لا جمال وجهها ونبالة روحها بل لأنها غنية هوسرة تكفل بأموالها الطائلة مستقبل "منصور بيك" فما كان من الوالد إلا أن أجاب بالإيجاب من غير أن يستشير ابنته بكلمة ولا كان من الابنة إلا أن أجابت والدها بنعم، من غير أن تأخذ رأي حبيبها في الأمر، فما كان إلا أن حصل هذا الزواج الذي كان شقاء وكان مأساة ملؤها الحسرة والدموع وتبادل الشكوى الشعرية والفلسفية بين الحبيبين الذين راحا يجتمعان خلسة في هيكل مهجور لعشتروت، ثم وفاة ولدها المستسلم استسلاما أعمى لمشيئة "المطران" ومن بعدها قطعت "سلمى" علاقتها مع حبيبها خشية أن يدري الناس بما بينها وبينه فسيلقون بألسنتهم وفضلت أن تضحي بالمحبة المحدودة في سبيل المحبة غير المحدودة وتقلع عن زيارتها السرية للهيكل المهجور.
ولعل أهم هدف حصل "سلمى" بعد عقم دام خمسة سنوات ووضعها غلاما عند الفجر ما لبث أن قضى نحبه عند شروق الشمس، وما لبث أمه أن التحقت به.
هي أحداث جاءت متتابعة كانت محل إثارة وجذب للأنظار واستطاع الكاتب أن بسردها بأسلوب شعري وجداني، مشبع بروح التقديس للحب وكل ما يبعثه في النفس.
العقــــــــــدة :
لقد سيطر على قصة "جبران هذه طبيعة الفنان الوجداني المرهف الحس والشعور وطبيعة المرشد والمصلح والواعظ ولهذا السبب لم يهتم للعقدة بقدر ما اهتم بالمغزى والمضمون، ولبث الشعور ويمكن أن نستخلص أن العقدة هي زواج "سلمى" بمن لا تحبه والذي لم تعرف معه معنى الحب والسعادة، ولعل هذا ما جعل جبران يتولد عنده ذلك النقص بأنه الضحية لأن "سلمى" تزوجت زواجا شرعيا وأنجبت طفلا بينما هو بقي مجرد عشيق وحيد يتكبد مرارة الفراق فلم يكن بإمكانه سوى البكاء عليها ورثائها.
اللغــــــــة :
أما لغة القصة فقد جاءت بسيطة للغاية، فهو كان يهدف إلى تبليغ رسالته بغض النظر عن الوسيلة، كما جاءت في غاية من الإثارة والحركة، لتصل الأعماق فتهزها وتفتح أبواب الاستباق.
كما أن اللغة المستعملة هي لغة البلاغة الجبرانية، "ذات خيال نشط ،مجنح ينشط في أكثر الأحيان إلى عوالم الفن العلوية فلا يلحقه لاحق ولا يشق له غبار أما ألفاظها فلقد جاءت مستقاة من أفراح الحياة وأحزانها ومن كلام العاشق لمعشوقته ومن تنفسات المظلوم والمهموم والمذنب لأن قصته كانت عبارة عن لون من البوح الشخصي، أرخ فيه "جبران" حبه الأول في بيروت في صورة صادقة، فالألفاظ جاءت مما يتداوله عامة الناس في أحاديثهم اليومية، لكن جبران نزع منها صفة العمومية ليجعلها ألفاظ جبرا نية بوجه من الوجوه فيها تطابق بين خيال الشاعر وموضوع القصة.
أما بالنسبة للنسيج فلقد جاء نسيج منظم دقيق تمسح عليه يد الحزن العميق والتشاؤم الأسود بيدها السحرية، فتلونه بألوانها القاتمة وترسم عليه صورة إنسانية رائعة للقلب البشري.
ذلك أن الكاتب قد وشاها بأوصافه وتشبيهاته العذبة المستصاغة وكناياته الجميلة البارعة والحكمة العميقة البالغة غير ذلك.
أما بالنسبة للأسلوب يتصف بالبساطة المطلقة والألفاظ العادية ذات الخيال الواسع ولكن "جبران" ارتفع إلى مستوى جديد كل الجدة، فحين يقول أن شعر "سلمى" الذهبي أشبه بالطهر الذي لا يمكن أن نراه فنلاحظ ألفاظه تنهم انهيار الغيث، موحية، غريبة، وواقعية، في آن واحد ذلك أن "جبران" صادق مع نفسه لا يتكلف الصياغة، ولا الصورة، ولا يجهد خياله بل يتوهج الخيال توهجا ذاتيا ولعل هذا هو السبب في قرب أسلوب "جبران" مع الأنفس.
وننهي حديثنا عن جبران بما قاله "محمود يوسف نجم عنه وهذا هو جبران في كل ما كتب مولع بالتطويل والتعليق والتكرار فلا يدع الفرص المواتية تفلت من بين يديه فكثيرا ما ينصب نفسه خطيبا يعظ الناس ويعرض عليهم آراءه فيهم وفي مجتمعهم.
وتبقى عناصر كثيرة لم تتوفر في هذه القصة لتصلح أن تكون كذلك وان توفرها على تلك العناصر المذكورة آنفا لا يعني أنها قصة ذات حبكة وبناء فني إلا ان منطلق الفن يعدها آيات من السحر بينات.
إلا أن المفاجأة أو الصدمة التي أحدثها الكاتب أنه استطاع أن يوهمنا أن سلمى حين قطعت صلتها به ولأسباب ما هو أن مطران قد اكتشف لقاءاتهما والواقع أن الأمر غير ما توقعنا لذلك فهذه الأحداث غير المنتظرة تشوق القارئ إلى معرفتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق